يعد قصر الحير الغربي بالإضافة إلى شقيقه قصر الحير الشرقي، اللذين أمر ببنائهما الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك من أبرز القصور في العصر الأموي المشيدة في بادية الشام.
ويقع قصر الحير الغربي إلى الجنوب الغربي من تدمر في وسط بادية الشام، عند تصالب الطرق التجارية بين الرقة ودمشق وحمص وشبه الجزيرة العربية، بالقرب من جبل رواق على بعد 60 كيلومتراً جنوب غربي تدمر.
تم بناء القصر على أنقاض دير يعود إلى العهد الغساني، وذلك في عام 109 هـ/ 728 م ودلت على تاريخ بنائه كتابتان، الأولى نقشت على ساكف أحد أبواب الخان المجاور للقصر، وهو حالياً محفوظ في المتحف الوطني بدمشق، وعليه الكتابة التالية: «بسم الله الرحمن الرحيم، لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، أمر بصنعة هذا العمل عبد الله هشام أمير المؤمنين أوجب أجره، على يد ثابت بن ثابت في رجب 109 هـ». والكتابة الثانية نقشت على جزء من حجر رخامي حفظت في جناح قصر الحير بمتحف دمشق، تنص على مايلي: «من هشام أمير المؤمنين إلى الوليد أبي العباس أحمد الله إليك». وكان يطلق على هذا القصر اسم الزيتونة وهو الاسم الأصلي، أما اسم الحير فهي تسمية حديثة، استعيرت من معنى السور الذي كان يحده.
يأخذ القصر شكلاً مربعاً، حيث تبلغ أطوال أضلاعه 70 × 71 متراً، بحيث تبلغ مساحته الكلية 4970 متراً مربعاً، ويتميز بجداره الخارجي ذي التشكيل شبه العسكري، الذي يحتوي أبراجاً دائرية تحتل زوايا التشكيل المربع، باستثناء الزاوية الشمالية الغربية التي يأخذ برجها الشكل المربع، وكذلك يتميز بالأبراج نصف الدائرية التي تحتل القسم الأوسط من كل جدار، باستثناء الجدار الشرقي الذي تتركز في منتصفه البوابة الرئيسية المحاطة ببرجين مزخرفين نصف دائريين. تم تشييد السور الخارجي للقصر من المداميك الحجرية التي شكلت قاعدة الحمل الرئيسية في البناء، حتى ارتفاع مترين، ويليها مجموعة من الصفوف المتناوبة المركبة من مداميك الطوب والآجر والشرائح الخشبية، مما يجعل المظهر العام للقصر أشبه بالحصن.
يتم الاتصال بين الباب الخارجي والباحة الداخلية، بواسطة دهليز مقبى يؤدي إلى الأروقة المغطاة المحمولة على عمد حجرية قديمة، تتقدم الغرف والصالات المحيطة بالفسحة المركزية التي تتوسطها بركة الماء، حيث تتوزع الغرف حول الساحة على طابقين معماريين وضمن مجموعة من البيوت المستقلة عن بعضها، والتي يبلغ عددها ستة، اثنان في الجهة الشرقية، ومثلها في الجهة الغربية المقابلة، وبيت واحد في الشمال، يقابله واحد في الجنوب، ويتراوح عدد الغرف والصالات في كل بيت بين 8 – 13 قاعة أو حجرة، ذات مشبكات جصية رائعة تسمح بدخول الضوء والهواء إلى الغرف.
بني القسم الأساسي في القصر من الحجر إلى ارتفاع مترين، أما القسم الأعلى فمبني من الطوب والخشب والآجر، وأثناء أعمال التنقيب التي جرت في الثلاثينات من القرن العشرين على يد الآثاري الفرنسي شلومبرجيه، تم اكتشاف درجين خشبيين يفضيان إلى الطوابق العلوية، ويعتقد أن الطابق الثاني متطابق في توزيع غرفه وقاعاته مع الطابق الأول، باستثناء الفراغ فوق دهليز المدخل الذي كانت تشغله صالة مستطيلة الشكل. كما يوجد ضمن المنشأة خزان مياه متصل بسد خربقة الذي تتم تغذيته من نبع الكوم، عبر قناة يبلغ طولها 16.5 كيلومتر، وتوفر المياه لجميع مرافق القصر السكنية والخدمية، كالجامع والطاحونة والخان، وكذلك الحمام الذي يقع خارج القصر، على بعد ثلاثين متراً إلى الشمال من البرج القديم، ويتألف من القسم البارد والساخن ذي الأرضية القائمة على شبكات التدفئة الفخارية تحت الأرضية، والكسوة الأرضية المكونة من ألواح الرخام.
وقد كشفت التنقيبات والأعمال الآثارية في القصر، عن رسومات جدارية وأرضية رائعة، تناولت موضوعات دينية وموضوعات من الحياة اليومية والرسمية والخاصة للخليفة بشكل غني ورائع، بالإضافة إلى مواضيع أخرى متعددة غطتها النقوش المنتشرة في أرجاء غرف القصر وأروقته ودرابزيناته، فكان منها عناصر معمارية تؤلف سلسلة من المحاريب والقناطر والأعمدة والأقواس، ورسوم هندسية، ومواضيع نباتية عناصرها من أوراق العنب وسعف النخيل والورود والأزهار، ومشاهد تمثل حيوانات وأشخاصاً في أوضاع مختلفة. وقد نُقلت الرسوم الجدارية، بالإضافة إلى بعض التيجان ومشابك الأبواب والنوافذ، وأعيد إنشاؤها في جناح خاص، حيث يعتبر هذا القصر ومكوناته أحسن نموذج للعمارة الأموية.
كما تمت إعادة بناء أجنحة بوابة القصر في المتحف الوطني بدمشق بواسطة ورشات المديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية. وأعيد بناء واجهة قصر الحير الخارجية مع البرجين اللذين يحيطان بالباب الرئيسي في حديقة المتحف الوطني بدمشق. وأصبحت المجموعة المعمارية الباقية من قصر الحير، والتزيينات التي انتهت إلينا من الزخارف الجصية التي جمعت من آثار القصر، مصدراً رئيسياً لمعرفة منشأ الفن العربي الإسلامي.