لقد تحقق وجود مدينة قَطْنا أو قَتْنا (akk. Qat/tna Qat/tanum) القديمة في تل المشرفة الواقع على بعد 18 كم شمالي شرق حمص اعتماداً على نتائج التنقيبات الأثرية الفرنسية في الموقع المذكور بإدارة Comte du Mesnil du Buisson وذلك في الأعوام 1924، 1927، 1928، 1929. وعثر خلالها على عدد من الوثائق المسمارية البابلية الوسيطة العائدة إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وهي تذكر اسم الموقع القديم (قطنا) ويعني الاسم "الرفيعة" أو "الصغيرة"، هذه الوثائق نشرها فيرولو Ch.Vi-rolleaud وبوتيرو J.Bottéro، وهي محفوظة في متحفي اللوفر وحلب.
أدوات ذهبية من مملكة قطنا
ويسعى هذا البحث إلى تسليط الأضواء على أخبار قطنا في فترة أقدم، أعني في العهد البابلي القديم (البرونزي الوسيط أثرياً). في ذاك العهد شهدت المنطقة تحولات كبرى، فقد برز الأموريون بشكل واضح قوة سياسية موزعة في مناطق متعددة من بلاد الرافدين ومناطق الفرات والخابور وسورية الداخلية. كما بزغ نجم شمشي أدّو الأول الأموري (1808ـ1776 ق.م) في آشور مركز إمبراطوريته القوية التي امتدت نحو الغرب، وصارت تشرف على شؤون مناطق مثلث الخابور والجزء السوري من الفرات من مركزيها الأساسيين هناك (شُبَت إنليل وماري)، كما كانت تمارس الرقابة على المناطق البعيدة غرب الفرات، ونشطت في عهده تجارة الشمال الرافدي مع مناطق الأناضول وساحل البحر الأبيض المتوسط.
لقد أدرك حاكم آشور أهمية كسب ودّ حكام قطنا لضمان طرق القوافل التجارية المتجهة نحو الساحل السوري عبر البادية السورية، وكذلك لمراقبة تحركات ملوك يَمْخَد في حلب الذين كانوا يحاولون إعلاء شأن مملكتهم. وقد تحقق له ذلك كله، وانعكس في رسائل تبادلها مع ابنه يسمع أدّو الحاكم في ماري، وفي الرسائل المتبادلة بين يسمع أدّو وأشخي أدّو ملك قطنا وكذلك في رسائل موظفين كبار أو ولاة إلى يسمع أدّو.
هذه الرسائل المكتشفة في ماري ـ إضافة إلى وثائق اقتصادية من ماري أيضاً ـ تشكل المصدر الرئيس لأخبار قطنا وحكامها في العهد البابلي القديم، تحديداً في القرن الثامن عشر قبل الميلاد.
لقد تعرض هـ. كلينغل H.Klengel في دراسته الأكاديمية عن تاريخ سورية في الألف الثاني قبل الميلاد الصادرة عام 1969 إلى توضيح أخبار قطنا في تلك الوثائق، ولكن ثمة حاجة إلى إعادة النظر فيها من جوانب عدة في ضوء الوثائق المنشورة بعدها؛ فقد صدرت عشرة مجلدات من نصوص ماري تضمنت حوالي خمسين شاهداً نصياً جديداً عن قطنا.
في المجال السياسي:
تشير الوثائق إلى ارتباط وثيق بين قطنا وإمبراطورية شمشي أدّو من خلال العلاقة المتينة مع ماري. كان كلا الطرفين بحاجة إلى الآخر، فموقع قطنا المتميز يفيد سياسة شمشي أدّو وحرصه على ألاّ يعلو شان ملوك يمخد (حلب) الذين آووا زيمري ليم الفار من ماري، ويحّد من طموحهم إلى إعادة زيمري ليم إلى العرش، ومدّ نفوذهم إلى المناطق الشرقية. بالمقابل كانت قوة شمشي أدّو المتعاظمة واتساع امبراطوريته تغري حكام قطنا بالاحتماء به والتحالف معه لضمان الحماية من الخطر اليمخدي على مملكتهم الصغيرة.
تشير الوثائق إلى مرابطة قوات عسكرية من ماري والمناطق التابعة لها في قطنا بهدف حمايتها من أي خطر خارجي مباغت، وتذكر أسماء قواد تلك القوات وأخبارهم وتحركات جندهم، وأبرزهم: سومو نيخيم Sumu-niḫim، زيمري إيلو Zimri-ilu، سامي داخوم Sami-Daḫum (انظر مثلاً ARM I 11, 13, 20). ففي رسالة من شمشي أدّو إلى ابنه يسمع أدّو (ARM I, 23) يطلب فيها منه أن يرسل بضع مئات من جنود ضفاف الفرات aḫ purâttim إلى قطنا. وفي رسالة أخرى (ARM II, 5) يطلب منه أن يرسل جنوداً ومائة من البدو الخانيين بقيادة زيمري إيلو Zimri-ilu إلى قطنا ليعسكروا هناك وينضموا إلى جند سومو نيخيم Sumu-nihim بانتظار تنفيذ أوامر يسمع أدّو.
ولم يكن حاكم قطنا يتردد في طلب العون من يسمع أدّو، ففي رسالة إليه (ARM V, 16) يحثه على الإسراع بالسير نحو قطنا ليقودا معاً حملة مشتركة ضد مدن ثلاث تثير الفوضى في المنطقة، يقول فيها له: (إنها مدن غير قوية، وسنتمكن من احتلالها في أول يوم، أسرع تعال نحتلها، دع جندك يفوزون بالغنائم، إذا كنت أخي فتعال بسرعة).
كذلك يعبّر له في رسالة أخرى (ARM V, 17) عن قلقه من الأخبار التي تناهت إليه، وتشير إلى تحالف سومو إبوخ Sumu-Ebuh اليمخدي مع حكام آخرين (ربما كانوا حوريين كما تشير أسماؤهم وهي نوزو Nûzû، ماموكاتيشّا Mamu-katissa)، يقول له فيها: (سواء أكان كلام سومو إبوخ وتهديده صادقاً أو مجرد كلام فأسرع، واكتب إليّ رأيك... ليت قلبي يعلم رأيك، ليت أذنيّ تصغيان إليه).
ومن أشكال ذاك التحالف زواج يسمع أدّو من بلتوم Bēltum ابنة أشخي أدّو ملك قطنا، فهو لم يتحقق نتيجة رغبة شخصية من يسمع أدّو، وإنما حثّ عليه أبوه، إذ كتب له قائلاً: (لتأخذ ابنة أشخي أدّو زوجةً. بيت (بمعنى سلالة، حكم..) ماري له اسم (شأن). وبيت قطنا له اسم). ثم يبدي سخاءه، ويخصص لهذا الزواج مهراً قدره خمسة تالنتات (حوالي 145 كغ) من الفضة، ومائة ثوب (ARM I, 77). وقد كان هدفه الأساسي من ذلك الوصول إلى رباط اجتماعي وسياسي يوفر عوامل الثقة والاطمئنان.
كان هذا التعاون الوثيق يحّد من تطلعات سومو إبوخ ملك يمخد وقدراته، ويحقق لملك قطنا شأناً ومكانة لم تكن له إلا بفضل دعم شمشي أدّو وحلفائه سياسياً وعسكرياً. ولعل الرسالة التالية التي أرسلها شمشي أدّو إلى ابنه حاكم ماري تصوّر ذلك أوضح تصوير (ARM I, 24). فهو يطلب فيها منه أن يكتب إلى أشخي أدو ويعلمه على لسانه بالتالي: (لقد اجتمعت فيما مضى مع حاكم خاشوم Hassum وحاكم أورشوم Ursum وحاكم كركميش Karkamis. هكذا قلت لهم: سوف أفحص كلام سومو إبوخ، إذا حشد العدو قواته دعونا نواجهه...) ثم يقول: (لقد أعلنوا أمامي إنهاء علاقتهم مع سومو إبوخ (حرفياً: نفضوا أيديهم أمامي من سومو إبوخ)، وأرسل حاكم خاشوم قواته إليّ وهي الآن تحت أمرتي، أما حاكم أورشوم فقد طلب مني ألف مقاتل فأعطيته ألفين وقد استلمتهم. فلتنطلق، ولتأخذ سومو إبوخ أسيراً، وتعزله عن الحكم).
في الفترة اللاحقة، فترة عودة زيمري ليم إلى عرش ماري (1774ـ 2/1763ق.م) وانتقال الحكم في قطنا إلى أموت بي إيل Amut-pî-El برزت معطيات سياسية جديدة صرفت زيمري ليم عن إعادة الحساب مع قطنا، واستمرت علاقات ماري معها جيدة، فقد كانت قطنا قد امتلكت القوة أكثر من ذي قبل، وصار ملكها يعدّ واحداً من كبار ملوك تلك الفترة، ففي رسالة إلى زيمري ليم يذكر إيتور أسدو Itūr-Asdu حاكم ناخور Nahur أن كبار ملوك المنطقة قد اجتمعوا في شرمانخ Šarmaneh ومنهم حمورابي ملك بابل وريم سين ملك لارسا وإيبال بي إيل ملك أشنونا وإموت بي إيل ملك قطنا وياريم ليم ملك يمخد.
ومن ناحية أخرى كان زيمري ليم يحرص على توطيد حكمه، وضمان صداقة جيرانه في الغرب لمواجهة الأخطار المهددة في الشرق، فقد برز خطر عيلام وأشنونا، وشعر زيمري ليم بوجود اتصالات خفية بين عيلام وقطنا كما تشير بوضوح رسالة خامّي شاكيش Hammi-Šagiš ـ أحد كبار موظفي القصر ـ إليه، يعلمه فيها بالتالي: (لقد عبر رسول حاكم عيلام إلى حلب، وعندما وصل إيمار أرسل اثنين من أتباعه إلى قطنا. فلماسمع حمورابي (ملك حلب) بذلك أرسل جنداً إلى المنطقة الحدودية. وقبضوا على الرجلين عند عودتهما. وعندما حققوا معهما أقرّا أن حاكم قطنا أرسل معهما إلى سيدهما الخبر التالي: "البلاد ممنوحة لك، تعال إلي، إذا قَدِمْتُ فلن نختلف". ثم يعلم سيده زيمري ليم بأن حاكم قطنا قد أرسل رسلاً إلى عيلام، ويطلب منه: (ليت سيدي يتخذ قراراً، ويكتب إلى حاكم بابل طالباً منه ألا يدع هؤلاء الرسل يتجاوزون بلاده).
وكذلك رسالة ياسيم سومو Yasim-Sūmu التي ينقل فيها إليه تأكيد أبلاخندا Aplahanda حاكم كركميش على التعاون معه في مراقبة الوضع (ARM XIII, 46). يقول فيها: (كتبت إلي مستفسراً، وجهت سؤالك إلى أبلاخندا حاكم كركميش، استفسر عن الأمر وأفادني في اليوم التالي بأنه لا علم لديه عن أية قوات عيلامية عبرت بلاده إلى قطنا، وقال: إذا صح ذلك فسأعترض طريقها عند عودتها، وأحضرها إلى ماري).
وكانت يمخد على اتفاق تام مع ماري، تؤجل إثارة الصراع مع قطنا وتلزم الهدوء حرصاً على مصلحة ماري. ووصل الأمر بياريم ليم الأول ملك يمخد إلى درجة أبدى فيها رغبته في حل الخلاف الذي طال مع قطنا، ولكن بشرط أن يحضر أموت بي إيل إلى حلب، وأن يتبادلا التعبير عن النوايا الحسنة ثم يؤديا القسم الإلهي؛ فتعقد اتفاقية سلام بينهما. وكانت ماري هي المرشحة للتوسط في إنهاء هذا الخلاف كما رأى حمورابي ملك بابل.
لقد بقيت علاقات قطنا وماري ودية حتى انتهاء عهد زيمري ليم ودمار ماري، ولا تشير الوثائق إلى حل نهائي لخلافهما مع يمخد.
للأسف لا تذكر الوثائق البابلية القديمة العائدة إلى الفترة التالية كوثائق تل الرماح وتل ليلان أي خبر عن قطنا، أما وثائق تل العطشانة (ألالاخ) المكتشفة في الطبقة السابعة منها فقد ذكرتها مرة واحدة ذكراً لا يفيد في الاستنتاج.
في المجال التجاري:
استغل حكام قطنا موقع مدينتهم المتميز جغرافياً أحسن استغلال، فتحولت إلى منطقة عبور Transit أساسية في قلب سورية وعلى طرف باديتها، تعبرها القوافل التجارية المتجهة من الشرق إلى الغرب (بلاد الرافدين ـ ساحل البحر المتوسط) ومن الشمال إلى الجنوب (حلب ـ حازور في فلسطين).
يمكن تصنيف طرق القوافل التجارية التي كانت تربط بلاد الرافدين وسورية الداخلية بالساحل السوري الفلسطيني في ذاك العصر على النحو التالي:
1ـ على نحو الشمال: كان هذا الطريق يصعد بموازاة نهر الفرات من الجنوب الرافدي نحو بابل فماري، ويلتقي قرب ترقا (العشارة) بطريقين قادمين من آشور وشبت إنليل (تل ليلان)، ثم يتابع نحو إيمار (مسكنة) فحلب، ومنها إلى أوغاريت عبر مناطق ألالاخ.
قبل إيمار كان هناك طريق يتفرع عنه، يمتد عبر الرصافة والطيبة على أطراف البادية السورية (التدمرية) حتى قطنا.
2ـ نحو وسط الساحل: كان يبدأ من ترقا، ويجتاز البادية السورية نحو الغرب باتجاه السخنة فتدمر فقطنا، من قطنا كان يتجه إلى جبيل Gubla عبر منعطف حمص.
كان المسير من ترقا إلى قطنا يستغرق عشرة أيام (ARM I, 66) وكان هذا الطريق محفوفاً بمخاطر ناجمة عن طبيعة البادية. ويحتاج إلى دراية بمواضع المياه، ولذلك أكد شمشي أدّو على ابنه يسمع أدّو أن يرسل أمامه جنداً لاستكشاف مواضع المياه قبل التوجه نحو قطنا (ARM I, 85).
إضافة إلى ذلك فقد كان هناك الخطر الناجم عن غارات البدو السوتيين المتنقلين في البادية ولاسيما في المنطقة الواقعة بين ماري وجبل البشري وقطنا وتدمر (البادية التدمرية)، وقد كان هؤلاء بدواً عدائيين، يغيرون على القوافل التجارية العابرة وكذلك مراكز الاستيطان ومناطق الرعي، يأخذون رسوماً أو ينهبون. وعلى سبيل المثال فقد جاء في رسالة تاريم شاكيم Tārim-Šakim أحد كبار موظفي القصر إلى سيده يسمع أدّو (ARM V, 23) أن ألفي سوتي (بزعامة ثلاثة، يذكرهم اسمياً) قد تجمعوا وانطلقوا للإغارة على مناطق الرعي في منطقة قطنا، ويقول: (قبلها أغارت عصابة أخرى مؤلفة من ستين سوتياً على تدمر Tadmer ونشالا (نزالا = القريتين)، ولكنهم عادوا فارغي الأيدي، بل قتل التدمريون واحداً منهم).
3ـ نحو مناطق فلسطين: كانت القوافل تسير إلى مناطق فلسطين عبر واحد من الطريقين التاليين:
أ ـ من حلب نحو الجنوب حتى حازور (تل القدح 8 كم شمال بحيرة الحولة) عبر قطنا.
ب ـ تترك طريق البادية السابق عند تدمر، ثم تسير نحو نشالا ثم تلتقي بالطريق القادم من حلب وتتابع رحلتها عليه.
إذا تتبعنا المراكز الأساسية على هذه الطرق نلحظ أن قطنا كانت معبراً وملتقى للطرق الأساسية، ولهذا كانت القوافل تتخذه محطة للاستراحة والتزود بالمواد الغذائية، ولتبادل السلع في سوقها النشطة، وعلى ذلك اعتمد سكان قطنا إضافة إلى استفادتهم من مجال تقديم الخدمات ومرافقة القوافل كأدلاء.
ثمة نص من أواخر عهد زيمري ليم يشير بوضوح إلى وجود مراكز أو تنظيمات تجارية أو اتحاد تجار (على شاكلة الغرف التجارية في أيامنا) KAR. MEŠ في قطنا، وكانت هذه التنظيمات تحقق في الخلافات التجارية وتفصل فيها، وتمثل التجار في الوساطة بين القصر والسكان.
مثل هذه التنظيمات لم تكن موجودة إلا في المدن الهامة المتميزة على طرق القوافل التجارية مثل لارسا ومجموعة سيبار التجارية في ماري وميشلان Mišlān وكذلك في شبت إنليل على طريق آشور ـ كول تبه/كانيش.
تشير الوثائق إلى أن قطنا امتلكت علاقات تجارية متبادلة مع أغلب الممالك والمدن الرئيسية في المنطقة، وأن حركة الرسل منها وإليها كانت في نشاط دائم. فهي تشير مرات كثيرة إلى رسل من قطنا منحوا في ماري وجبات طعام فاخرة ومنسوجات أو ثياباً أو أحذية أو عربات سفر. وتذكر قطنيين عابرين إلى بابل وعيلام وقبرا وأرابخا، كما تشير إلى رسل من تلك المدن وغيرها مثل أشنونا وكرنا توجهوا إلى قطنا أو إلى جبيل وحازور عبر قطنا.
لا يعتقد أن قطنا كانت تصدر بضائع محلية إلى المدن المذكورة، وإنما كانت تمارس الاتجار ببضائع ذات مصدر آخر. فالنصوص تشير مثلاً إلى أخشاب وردت من قطنا إلى ماري مرسلة إلى آشور، وأودعت مؤقتاً في مدينة صبروم Suprum الواقعة بين ماري وترقا (ARM I 7, 4-6) ولكن أنواع الأخشاب هذه (خشب الأرز is Gišimarum، السرو is Šurmanum، الآس is asum) تدفع إلى الاعتقاد دون تردد بأنها استوردت من مناطق الساحل الجبلية، وتشير بوضوح إلى دور الوساطة التجارية الذي كانت تلعبه قطنا بين المنطقتين.
كذلك تشير النصوص إلى أن تجارة الخيول كانت رائجة في قطنا، ولعلها كانت خيولاً متميزة بدليل أن إشمي دجن Išme-Dagan رجا أشخي أدّو ملك قطنا أن يرسل له إلى إيكاللاتوم Ekallatum اثنين منها، ولكنه بعد أن استلمها لم يقدر قيمتها المالية كما يجب، مما أثار غضب ملك قطنا الذي كتب له معاتباً. جاء في الرسالة تلك ما يلي: (ARM V 20): (ليس هذا الكلام للقول، ولكن دعني أَبُحْ به وأروّح عن قلبي. أنت ملك عظيم. لقد طلبت مني حصانين وقد أرسلتهما إليك، وها أنت ترسل مقابلهما 20 مينا (حوالي 9.600 غ) من القصدير! ألم تلح عليّ في الطلب دون مساومة؟ ألم تستلمها دون تردد؟! وترسل إلي هذه الكمية الزهيدة من القصدير!!) ثم يقول: (طبعاً انزعجت (حرفياً: مرض قلبي)، فثمنها عندنا في قطنا هو 660 شقل فضة (حوالي 4.800 غ)، وأنت ترسل لي 20 مينا قصدير!!) ثم يختتم رسالته قائلاً (أنت لست ملكاً عظيماً. لماذا فعلت ذلك... الخ).
ذكرت النصوص أيضاً عربات خشبية سريعة giš GIGIR ša humuhhi قدمها أموت بي إيل إلى القصر في ماري (ARM XXI, 255-XXIII 275) وجراراً من الخمرة (ARM XXIII 547) وأواني معدنية ذهبية أو فضية (ARM XXV.
أما المواد الواردة إلى قطنا فقد كان أبرزها هو القصدير المرسل من ماري، وقد كانت ماري تحصل عليه من مصدره الرئيسي شمال غرب إيران عبر سيبار أو آشور ثم تصدره إلى مناطق سورية الداخلية والساحلية، ومنها يصل حتى كريت.
كما يشار مراراً إلى إرسال ألبسة ومنسوجات أو أحذية جلدية إلى ملك قطنا (ARM XXI 331, 333, 367-XXII 167, 327-XXIII 230) أو تقديمها رجال أو رسل من قطنا (ARM XXII 167-XXIII 28, 43).
إن الآمال معقودة على نتائج التنقيبات الأثرية الجارية والمستقبلية في أن تتحفنا بوثائق جديدة تقدم لنا أخباراً أخرى عن قطنا. فالعثور على وثائق أكثر في ماري وشبت وإنليل وغيرهما، والكشف عن وثائق من العهد البابلي القديم في تل المشرفة نفسه ـ إذا ما جدد التنقيب فيه ـ سيضع بين أيدينا بالتأكيد مادة تاريخية جديدة تساعد أكثر على إضاءة المشهد السياسي وتوضيح النشاط التجاري وغير ذلك في قطنا ومنطقة البادية السورية عامة.