تم اكتشاف أنقاض أوغاريت المدينة السورية القديمة في تل أثري يدعى اليوم
رأس شمرة، ويبعد ثلاثة كيلومترات عن الطرف الشمالي الشرقي لمدينة
اللاذقية الحالية.
ففي عام 1928 عثر بالصدفة على أحد المدافن في حقل يقع بالقرب من خليج
المينا البيضا في قرية
برج القصب، وكان هذا الاكتشاف نقطة بدء التحري والتنقيب في تل رأس الشمرة.
ابتدأت أعمال التنقيب عن هذا الموقع في كل من مينا البيضا والتل الكبير المنتصب إلى الشرق منها عام 1929م واستمر إلى عام 1939 حيث توقف بسبب الحرب العالمية الثانية ليعود بعد الحرب، وما زال مستمراً إلى الآن على يد بعثة أثرية فرنسية تتابع عملها تحت إشراف المديرية العامة للآثار والمتاحف في
سورية.
أظهر التنقيب وجود ثماني عشرة طبقة يعود أقدمها إلى النصف الثاني من الألف السابع قبل الميلاد، إلى العصر الحجري الحديث، ثم توالت الطبقات التي تدل على استمرار النشاط البشري في الأحقاب والعصور القديمة مروراً بالعصر البرونزي القديم الذي ابتدأ في رأس شمرة نحو سنة 2900 ق.م وكان معظم سكانها في تلك الحقبة من
الكنعانيين، وتدل بعض الآثار والرقم المكتشفة في العراق و
إبلا، أن المدينة كانت تحمل اسم «أوغاريت» نحو سنة 2500 ق.م، وهو مشتق من كلمة «أُغارو» التي معناها الحقل باللغة الأكادية.
توسعت المدينة في
العصر البرونزي الوسيط بين 2000 ق.م و 1600 ق.م وظهر أكروبول في جانبها الشرقي، ووفد إليها
الحوريون واختلطوا بسكانها الكنعانيين، وكان لأوغاريت اتصالات جيدة مع
مصر وكريت و
مملكة ماري. وأخذت المدينة كامل أهميتها السياسية والتجارية والثقافية في العصر البرونزي الحديث بعد 1600 ق.م حيث أقامت علاقات ودية مع الدول والممالك المجاورة وصولاً إلى مصر. وبلغت ذروة ازدهارها في الحقبة الثالثة من عصر البرونز الحديث من نحو سنة 1370 ق.م حتى سنة 1182 ق.م.
تتوافر عن هذه الحقبة معلومات غنية جداً، لأن كل الرقم المكتوبة، ومعظم المباني والقطع الأثرية التي كشف عنها، تعود إليها. وتظهر النشاط السياسي والاقتصادي والثقافي والعسكري الكبير الذي عاشته المدينة في تلك الفترة، وعلاقاتها بـ
الحثيين وتحالفها معهم والملوك الذين حكموها وتحالفاتهم مع الحثيين واشتراكهم في الحروب ضد المصريين ومدى ازدهار وغنى المملكة التي امتدت من
جبل الأقرع شمالاً إلى نهر السن جنوباً. وتظهر إنشاء الأسرة الحاكمة في أيام عميستمر الثاني الذي حكم ما بين 1260 و 1230 ق.م لـ
رأس ابن هاني كمقر للأسرة الملكية. وصولاً إلى آخر ملوك المدينة الملك عمورافي، الذي خُربت المدينة في عهده عندما غزتها شعوب البحر سنة 1182 وقضت على مدن الساحل السوري ولم تقم قائمة لأوغاريت بعد ذلك.
من آثار أوغاريت
لم تظهر الحفريات الأثرية حتى الآن سوى ثلث المدينة وأهم ما ظهر منها الحي الإداري (الرسمي) ويتصدره القصر الملكي الفخم مع ملحقاته، وتحصينات المدينة، ومسكن الحاكم العسكري، وقصر الملكة، وأقسام واسعة من أحياء المدينة كحي المعابد ومعبد الإله دجن ومعبد الإله بعل والمكتبة وعدد كبير من القبور، بالإضافة إلى منشآت اقتصادية مثل معصرة للزيتون وقصر لإدارة التجارة الخارجية والحوانيت والأدوات التي كانت تستخدم فيها. حيث نشط الأوغاريتيون بالزراعة والحرف والتجارة البحرية.
أبجدية أوغاريت
تعتبر المكتشفات الدالة على الحياة الثقافية والوثائق المكتوبة أهم مكتشفات رأس الشمرة؛ حيث تم العثور ما بين عام 1929 و عام 1988 على 3557 رقيم فخاري. تنفرد الوثائق المكتشفة في رأس الشمرة بتنوعها، وهي تتناول ميادين مختلفة، وأغلبها نصوص مدونة على ألواح طينية بلغة كنعانية غربية تتضمن أساطير، وطقوس دينية، ومجموعة نصائح وحكم، ومراسلات رسمية وخاصة، ونصوص إدارية تشتمل أسماء الموظفين والتجار وقوائم بأسماء المدن والقرى التابعة للمملكة، ونصوص أدبية، ووثائق قانونية محلية ومعاهدات دولية، وتمارين مدرسية على الكتابة وقواميس تسرد مفردات أوغاريتية وما يقابلها من اللغات السومرية والأكدية والحورية، وطبعات أختام، وهناك نصوص ذات طابع علمي أو موسوعي منها رقيم كبير فيه أسماء الأسماك والطيور المعروفة آنذاك، وأنواع الأقمشة وأشهر السنة، وهناك قوائم بالأوزان والمساحات والأحجام، إلا أن الاكتشاف الأكثر أهمية هو اكتشاف أقدم أبجدية في العالم تعود إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، تضم ثلاثين حرفاً أو إشارة مسمارية وكل إشارة منها ترمز إلى حرف ساكن مستقل عن الصوت كما هو الحال في الأبجديات الحديثة بالترتيب الشائع في ذلك الوقت وهو الترتيب نفسه في اللغة الألفباء اليونانية والأبجدية العربية، وكانت تكتب من اليسار إلى اليمين.
تتوزع الآثار المكتشفة على متاحف
دمشق و
حلب و
اللاذقية وكذلك متحف اللوفر في فرنسا