الحركة الفنية التشكيلية السورية:نشأت الحركة الفنية التشكيلية السورية في بداية القرن العشرين، فقدمت لنا جيلاً من الفنانين الرواد الذين قدموا نقطة التحول التاريخية للفن التشكيلي السوري.
ثم اتجهت هذه الحركة الفنية الوليدة مع جيل الرواد إلى الفن الغربي، تأخذ منه وتستعين به، وتقدم مفهوماً جديداً للفن يتأثر في كل أنماط الحياة بالغرب، ومهد هذا لولادة فن تشكيلي يعكس مظاهر التأثر بالوافد من التيارات الفنية.
ثم اتجه الفنانون نحو الأساليب الأكثر تقليدية، وتجددّت حركة الرواد في الفترة الواقعة بين 1920-1946 والتي كان تأثيرها واضحاً وعميقاً على التجارب اللاحقة بحيث نستطيع القول بأنها تمثل مرحلة التكوين الأولى الأساسية في الحركة التشكيلية السورية، لعل أهمها ظهور الانطباعية بتأثير الاحتكاك المباشر مع الفن الفرنسي، والتفاعل مع الطبيعة، والذي جعل الفنان يحمل ألوانه ليرسم في الهواء الطلق، ثم تراجعت الواقعية التسجيلية الأولى لتصبح قريبة من الواقع.
فاتجه الفنانون إلى الموضوعات التاريخية، وبدؤوا يسعون إلى تطوير أشكالهم الفنية فتألّقت الانطباعية، وفي نفس الوقت تطوّرت الواقعية وازدهرت، وأعطى الكلاسيكيون أفضل تجاربهم.
وحفلت فترة ما بعد
الجلاء بالأنشطة الفنية والمعارض فتوسعت القاعدة التي ينطلق منها الفنان وتعددت المعارض الجماعية والفردية بتأثير روح المنافسة والتحاور، ثم جاءت الحداثة والموضوعات الشعبية واتجه الفنانون التشكيليون إلى العالم الداخلي، وأصبحت الجوانب الذاتية إحدى أهم مصادر حركة الحداثة الفنية، وقدموا اللغة التعبيرية بشكل شخصي ليعكسوا مأساة حياتهم، واختلطت العناصر القديمة بالأشكال الحديثة.
ثم دخلت الحداثة الفنية في مرحلة تجريدية في بداية عام 1920م، وتطورت أشكال التنظيم للحركة الفنية والرعاية والاهتمام بالفن التشكيلي، وذلك بعد إنشاء وزارة الثقافة عام 1958م.
لقد دخلت الحركة الفنية في سورية في المرحلة المعاصرة، بعد أن مرت بتجارب فنية مختلفة، وبحوث تشكيلية متعددة، حتى استقرت على الصيغ الفنية الملائمة لها، والتي أصبحت تمثل الوجه المعاصر لهذه الحركة، والذي أوصل كل فنان إلى أن يصبح مدرسة فنية خاصة...
العمارة في سورية:أدى موقع
سورية الجغرافي دوراً أساسياً في تشكيل ملامح عمارتها وفنونها البصرية عبر التاريخ، ووفر لها منذ أقدم العصور فرصاً مختلفة للاتصال بالحضارات المجاورة في آسيا وأوروبا وإفريقيا، وتبادل التأثير بين الفن والعمارة في سورية وبين فنون تلك الحضارات وعمارتها، ويظهر هذا بوضوح في عدد كبير من الأوابد واللقى الأثرية على امتداد مناطق وعصور عدة، كما هي حال المنحوتات
الفينيقية ذات التأثير المصري المكتشفة في ممالك الساحل السوري، والآثار المعمارية والنحتية
الهيلنستية في
أنطاكية و
اللاذقية و
أفاميا و
دورا أوروبوس، وحضور المفاهيم الفنية والمعمارية الرومانية في
تدمر و
جبلة و
بصرى و
شهبا و
دمشق، و
البيزنطية في
قلعة سمعان، والتأثيرات
الفارسية في عمارة العصور الإسلامية المتأخرة.
وبالمقابل أخذت حضارات الجوار من سورية ابتكارات المعماريين السوريين القدماء في الأقواس والقصور والقباب وروح التصوير الشرقي وفن الأيقونة ومفاهيم العمارة الإسلامية ذات الأصول المحلية الموغلة في القدم، والتي كانت بدورها نتاجاً لطبيعة البيئة والمناخ، إذ لجا المعماري السوري القديم إلى بناء القبب بدل السقوف الخشبية حيث ندرت الأشجار، واعتماد مخطط هندسي أساسه غرف تحيط بفسحة سماوية مكشوفة تسهم في تلطيف حرارة الجو، وقد شاع هذا النموذج المعماري في معظم المدن السورية مع بعض الاختلاف في التفاصيل، ولاسيما فيما يتعلق بمواد البناء وتوافرها، ففي حين بنيت بيوت
حلب من الحجارة، واستخدمت أسافين الحديد والرصاص لربط الحجارة الكبيرة في
أوغاريت و
عين دارا، اعتمد المعماريون الدمشقيون الآجر وخليطاً من الطين ومخلفات القمح، واستخدموا الخشب في إقامة الأعمدة وتشييد السقوف.
الجامع الأموي في دمشق
وفي كل الأحوال اهتم ذوو الشأن اهتماماً كبيراً بالجانب الجمالي التزييني، فانتشر على نطاق واسع داخل الأبنية الدينية والرسمية والسكنية التصوير الجداري (الفريسك) القائم على الرسم بالألوان فوق كلس رطب، والزخارف الحجرية والرخامية والجصية، والتزيينات الهندسية المعتمدة على رصف قطع من الحجارة مختلفة الألوان والأشكال، كذلك الخشب المزخرف والملون بأشكال نباتية وفي زمن لاحق استخدموا القاشاني المائل إلى اللونين الأزرق والفيروزي الذي حل محل الآجر المطلي بالمينا الملون المنتشر في الحضارات السورية الأقدم، وقد شهدت العمارة في سورية منذ وقت مبكر اللوحات الجدارية المصنوعة من الفسيفساء كتلك الموجودة اليوم في متاحف أفاميا وتدمر وشهبا وعلى واجهة
قبة النسر في
الجامع الأموي في دمشق. واستخدم المعماريون في الفترة
المملوكية و
العثمانية حجارة من ألوان مختلفة في تشييد مداميك الجدران ضمن تشكيلات هندسية متقنة.
قلعة الحصن
يتسم تاريخ العمارة في سورية بوجه عام بثراء وفير، ويجمع ما بين الأصول المحلية والتأثيرات الإغريقية و
الرومانية و
البيزنطية و
الفارسية، كما يضم شواهد عن فن العمارة الحربية في أوربا القرون الوسطى، كالقلاع التي شيدها الفرنجة على الساحل والشريط المجاور له إبان
الحروب الصليبية، وتأثيرات فن العمارة المدنية الأوروبية في مطلع القرن العشرين إبان مرحلة
الإنتداب الفرنسي على سورية. وبين هذه وتلك الابتكارات المعمارية في المراحل الإسلامية المتتالية بدءاً من
المرحلة الأموية التي تركت، إضافة إلى الجامع الأموي الكبير بدمشق ونظيره في حلب المشيد على الطراز ذاته، عدداً من القصور، أهمها
قصر الحير الشرقي و
قصر الحير الغربي الذي نقلت واجهته إلى
المتحف الوطني بدمشق. وأتاح الاتساع الهائل للدولة الأموية ظهور أشكال معمارية جديدة في البلدان التي انضوت تحت لوائها تجمع بين المفاهيم المعمارية المحلية والمفاهيم التي أتى بها الإسلام، وسرعان ما انتقلت تلك الأشكال الجديدة إلى العراق والشام.
اتسم الفن العربي الإسلامي في مجال العمارة بعدد من الخصائص العامة، أهمها مراعاة التناظر والاهتمام بالضوء، وتنوع الزخرفة وشمولها كل البناء، مع تجنب تصوير الكائنات الحية في المباني الدينية، ولاسيما الإنسان والحيوانات البرية، والاستعاضة عن ذلك بموضوعات طبيعية وزخرفية نباتية وهندسية. أما
العصر العباسي فلم يبق منه في سورية سوى آثار مدينة
الرافقة على ضفة الفرات إلى جوار
الرقة القديمة، وقد بنيت على شاكلة بغداد، وينسب العلماء هندسة جامعها إلى فن معماري جامع للطرازين المعماريين الرافدي والأموي، وتكاد الآثار المعمارية للعصر
الفاطمي في سورية لا تُذكر، في حين تحفل
دمشق و
حلب و
حماة و
بصرى بآثار معمارية كثيرة من
العهد السلجوقي و
من العهد النوري (فترة نور الدين الشهيد) أهمه المدرسة النورية والـ
بيمارستان النوري وحمام نور الدين في دمشق، ومئذنة الجامع الكبير والبيمارستان القديم والمطبخ العجمي ومسجد القلعة في حلب، وجامع نور الدين في حماة، وجامع مبرك الناقة في بصرى.
قلعة دمشق
أما أهم آثار
العصر الأيوبي فهي
قلعة دمشق التي تعد أهم مثال عن فن العمارة العسكرية في ذلك العصر، وإلى جانبها ينتشر في المدن السورية عدد كبير من المدارس والترب. وازدهرت الحركة العمرانية في سورية في
العصر المملوكي بسبب تراجع حدة الخطر الخارجي وانتهاء الحروب الصليبية، وعدّ دمشق عاصمة ثانية للسلطنة، ومع ذلك لم تشيد في ذلك العصر أبنية ضخمة باستثناء عدد محدود من الجوامع التي شيدت وفق تخطيط الجامع الأموي، كجامعي
تنكز ويلبغا في دمشق، وكثر بناء المآذن والقباب في العمارة المملوكية، وكذلك الزخرفة التي دخل فيها التلوين على نطاق واسع، ومن أشهر العمائر المملوكية القائمة حالياً
المدرسة الجقمقية و
المدرسة الظاهرية في دمشق والأخيرة هي اليوم مقر المكتبة الظاهرية، والبيمارستان الأرغوني في حلب، و
المئذنة الغربية للجامع الأموي بدمشق المعروفة باسم مئذنة «قايتباي».
التكية السليمانية في دمشق
مع بداية
العصر العثماني عرفت العمارة أسلوباً جديداً في هندسة المباني بتأثير كنيسة «أيا صوفيا» في القسطنطينية (إصطنبول)، انتشر في سورية، ويتجلى خاصة في بناء
التكية السليمانية في دمشق، والمدرسة الخسروية في حلب، وأولت عناية خاصة بإنشاء الأسواق والخانات تلبية للتوسع الحاصل بين أرجاء الإمبراطورية، ومثلما ظهرت التكية بهندستها الجديدة مجمّعاً معمارياً يضم المسجد وغرف السكن والمطابخ والمطاعم والقاعات والحدائق، ظهرت الأسواق مجموعة معمارية تضم المخازن التجارية والخان والجامع والحمام والمدرسة، كما هي حال سوق الخياطين و
سوق الحميدية في دمشق، وصارت بلاطات الخزف الملون (القاشاني) عنصراً مهماً في كسوة الجدران الداخلية والواجهات، كما شاع نوع جديد من الفسيفساء عرف بـ «الأبلق» يقوم على ملء الزخارف المحفورة على الحجارة بالملاط الملون.
احتضنت العمارة، كما هو شأنها، جميع أنواع الفنون، وضمت بين جدرانها نماذج غنية للفنون التطبيقية من قطع الأثاث الخشبي والنسيج والسجاد ومشغولات النحاس والعاج والزجاج مما أبدع الحرفيون في صنعه على مدار العصور، ويمثل ما بقي منها تحفاً تحرص المتاحف على اقتنائها وعرضها. وقد عرفت سورية منذ أقدم العصور صناعة الخزف حيث استُخدم في مجالات شتى، وأبدع صانعوه أشكالاً غاية في الجمال، ولا سيما في العصور الإسلامية الوسيطة حين شاع استخدام ما عرف بالخزف ذي البريق المعدني، والذي فسر بعض الباحثين الاهتمام به على أنه بديل للأواني المصنوعة من الذهب والفضة والتي كانت محرمة في الإسلام، وظهرت منذ وقت مبكر على جدران المعابد والمساكن لوحات جدارية، ولوحات الفسيفساء، والزخارف الهندسية والنباتية، وفي وقت لاحق الكتابات التزيينية، وتعد هذه الأشكال اليوم بعض أصول فن التصوير (الرسم بالألوان) المعاصر في سورية، وهو ما ينطبق أيضاً على فن الأيقونة التي ازدهرت في سورية في أزمنة متعاقبة وشهدت مراكز مهمة لها أشهرها حلب. كما ضمت العمارة في داخلها وعلى واجهاتها الخارجية إبداعات النحاتين السوريين القدماء التي امتازت على الدوام بقوة التعبير العاطفي، وقد امتد تأثيرهم إلى النحت الهيلنستي والروماني في سورية، وتمثل منحوتات
مملكة ماري و
أوغاريت مصدراً أساسياً من مصادر النحت السوري المعاصر.
ساحة الأمويين من جبل قاسيون
وأقيمت في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين أبنية كثيرة تستلهم مفاهيم العمارة التقليدية المحلية وزخارفها منها: مطار دمشق الدولي وقصرا الشعب وتشرين ومبنيا سفارتي الإمارات العربية وقطر و
مكتبة الأسد وقصر المؤتمرات (الأمويين) وفندق الشيراتون و
دار الأسد للثقافة والفنون وقصر العدل الجديد وجميعها في دمشق، وفندق بصرى الشام في بصرى، ودار الثقافة في
الرقة، ومع ظهور الكثير من الأبنية ذات التصاميم المبتكرة المعاصرة أخذ ازدهار العمارة الدينية منحيين اثنين حافظ الأول على تقاليد عمارة المساجد والكنائس، فيما اتجه الثاني نحو إدخال مفاهيم جديدة على مخطط البناء وأساليب التزيين. ومن الأبنية النصبية المهمة في تلك المرحلة مثوى الشهداء في نجها قرب دمشق، وهو عمل معماري ضخم بني من كلمة الشهداء ويشغل قاعدتها شريط من النحت الجداري أنجزه النحات
مجيد جمول، فيما قام الخطاط الكبير حلمي حباب بكتابة الآية الكريمة *{ولا تَحْسَبنَ الذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلَْ أَحْيَاء عِنْدَ رَبهمْ يُرْزَقون}* (آل عمران 69) على لوحة رخامية في مدخل المثوى، ونصب الجندي المجهول على سفح جبل قاسيون من تصميم الفنان
محمود حماد ومهندس الديكور عبده كسحوت، وهو يستلهم أقواس وقباب العمارة العربية الإسلامية، وبانوراما حرب تشرين في مدخل دمشق الشمالي الذي شيد على شكل أسطواني مستلهم من العمارة الحربية العربية بمساعدة معماريين وفنانين من كوريا الشمالية.
==
المصدر:- سعد القاسم، الموسوعة العربية.
- منشورات وزارة الثقافة، دليل نشاطات الوزارة في الأسبوع الثقافي السوري في الدوحة.